اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
90073 مشاهدة
نماذج من التفسير بالرأي

يظهر هذا كثيرا في تفسير كثير من المتكلمين كتفسير البيضاوي وأبي السعود والنسفي .
هؤلاء يفسرون القرآن بالرأي ولا يذكرون أدلة، أعطاهم الله تعالى فصاحة ومعرفة باللغة؛ فصاروا يحملونه على ما يفهمونه دون أن يرجعوا إلى أسباب النزول، أو دون أن يرجعوا إلى أقوال السلف الذين أنزل القرآن في عهدهم والذين هم أعلم بمعانيه.
الأولون راعوا المعنى الذي رأوه من غير نظر إلى ما تستحقه ألفاظ القرآن من الدلالة والبيان، يعني: كهؤلاء المبتدعة, يعني: كالخوارج والمعتزلة والروافض ونحوهم. المعنى الذي رأوه واعتقدوه راعوه من غير نظر إلى ما تستحقه ألفاظ القرآن، وألفاظ القرآن واضحة الدلالة وواضحة البيان؛ ولكن لما كان هؤلاء مخالفين في الاعتقاد عند ذلك حملوا الآيات ما لا تحتمله وحرفوا الكلم عن مواضعه.
ذكر شيخ الإسلام في موضع من كتبه أن المعتزلة فسروا قول الله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا قالوا: كلمه: جرحه بأظافير الحكمة، فنفوا ما يعتقدونه من أن الله تعالى لا يتكلم، نفوا ظاهر الآية بناء على ما يعتقدونه ونسوا دلالات الآيات ونسوا سياق الآيات، ونسوا الآيات الأخرى التي تصرح بخطأ ما قالوه.
وهي آيات كثيرة مثل آيات النداء وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ والنداء كلام. ومثل قوله تعالى: إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فلما كانوا يعتقدون أن الله تعالى لا يتكلم ثقل عليهم معنى هذه الآية.
فبعضهم حاول أن يحرف اللفظ، جاء واحد منهم إلى أبي عمرو أحد القراء السبعة، وقال: أريد أن تقرأ هذه الآية: ( وكلم اللَّهَ موسى تكليما ) أي: موسى هو الذي كلم الله، ولكن أبا عمرو رحمه الله قال له: هب أني أو أنت قرأت هذه الآية كذلك فكيف تصنع بقول الله تعالى: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ؟ فبهت ذلك المعتزلي؛ لأن هذه الآية لا يمكن تحريفها فحرفوها بأن قالوا: كلمه جرحه، ونسوا قوله: إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي ونسوا أو تناسوا آيات النداء وأمثلة تحريفهم كثيرة.